أسباب نقص السمع
إن أفضل ما يقال عن حاسة السمع لدى البشر هو أنها هبة من الله بالغة الرقة و الضعف وهذا ما يدفعنا كأطباء إلى التحدث عن أهميتها في جميع المناسبات.
لتبسيط الأمور نقول إن الأذن الداخلية تشبه الماء الراكد في حوض . توجد في أسفل الحوض خلايا لها أهداب تتحرك مع حركة الماء ، وحسب حركتها يفسر الدماغ البشري الأصوات ، أما الذراع التي تحرك الماء في الحوض فهي عظيمات السمع في الأذن الوسطى المرتبطة بغشاء يسمى غشاء الطبلة، وهو بالفعل يشبه الطبلة التي تتحرك بقوة دفع الصوت المحيط بنا .
يدفع الصوت غشاء الطبلة فتتحرك عظيمات السمع التي تحرك السائل والسمع:ه يحرك الخلايا المهدبة التي بحركتها توصل الصوت عن طريق عصب السمع إلى الدماغ البشري ، ليعرف معناها.
لقد صنّف الأطباء نقص السمع إلى أربعة مجموعات من حيت آلية نقص السمع :
أولها : مرتبط بعدم وصول الصوت إلى الخلايا الهدبية الموجودة في الأذن الداخلية والتي تتحرك مع تحرك السائل المحيط بها. وأفضل مثال على هذا وجود سدادة صملاخية في مجرى السمع ، والتهاب الأذن الوسطى وأمراض عظيمات السمع وإصابات غشاء الطبلة .
أما المجموعة الثانية : فهي مرتبطة بأمراض الأذن الداخلية السائل الموجود فيها أو الخلايا الهدبية أو عصب السمع أو المراكز السمعية القابعة في الدماغ و تحديدا في منطقة تسمى جذع الدماغ أي أسفله .
المجموعة الثالثة : تختصر بوجود آفة تشمل المجموعتين السابقتين أي مرض في الأذن الوسطى مع إصابة في الأذن الداخلية .
والمجموعة الرابعة: التي تضم نقص السمع العميق ونقص السمع الكامل وتعني الإعاقة التامة في السمع وفي حياة المريض الاجتماعية و المهنية.
إن فهم تنوع الأمراض ومكان توضعها يجعلنا نفهم أكثر، لماذا هنالك صعوبة في علاج نقص السمع رغم تطور الوسائل الطبية المعاصرة ، ما يدفعنا أكثر إلى إتباع طريقة العلاج بالوقاية و التي يتحدث عنها العالم بأسره .
علما بأن علاج نقص السمع المرتبط بالمجموعة الأولى في نقل الصوت وآفات الأذن الوسطى قد تطور كثيرا وأصبح العلاج ممكنا في معظم الحالات . بينما يبقى علاج الأذن الداخلية مستعصيا رغم التطورات في مجال الأدوية الحديثة و السماعات الالكترونية.حيث تبقى المعينات السمعية من أفضل الحلول بعد أن أدخلت إليها التقنيات الرقمية الديجيتال .
يعتمد الطبيب في تشخيص المرض و بيان توضع المشكلة على وسائل التشخيص المتاحة ومنها :
تخطيط السمع الكهربائي و تخطيط جذع الدماغ
لنتقرب من مفهوم التخطيط علينا أن نفهم أن الصوت هو طاقة تقاس بوحدات تسمى ديسبل ومن المفيد العلم أن الصراخ يعطينا صوتا طاقته تساوي 60 إلى 70 ديسبل بينما يعطي الصوت الخافت طاقة تساوي 30 إلى 40 ديسبل .
يعتمد تخطيط السمع الكهربائي على قياس مستوى طاقة الصوت التي يسمعها المريض أو شدة الصوت كما يعتمد على لحن الصوت، فمثلما نعرف هناك أصوات خشنة و أصوات حادة تماما كما في أوتار العود التي نعرفها.
في التخطيط، نسمع المريض لحنا حادا على سبيل المثال و نرفع شدة الصوت ونطلب منه أن يخبرنا عندما يسمع و هكذا على كل النغمات ونشكل خطا بيانيا نسميه مخطط السمع. إن تخطيط السمع يعتمد توصيل الصوت للمريض عن طريق الأذن الوسطى وعن طريق تحريض الخلايا الهدبية مباشرة بخلق اهتزاز لعظم الأذن الداخلية وبهذه الطريقة يمكن معرفة توضع المشكلة السمعية ويبقى هذا الأمر معتمدا على درجة تفهم المريض ومساعدته .
أما تخطيط جذع الدماغ فهو تخطيط ،لايعتمد على المريض الذي يكون عادة نائما بهدوء تام ونقيس فيه رد فعل مراكز السمع الموجودة كما ذكرنا في جذع الدماغ على الأصوات ، عن طريق سماعات موضوعة على الأذنين و صوتا متدرجا في الشدة مع نغمة ثابتة، فيقوم الجهاز الحساس الموصول بمجسات تشبه مجسات تخطيط القلب الكهربائي نحو جبين المريض و الأذن اليمنى و اليسرى باستقبال ردود المراكز السمعية على تلك الأصوات فإن كان هناك رد فعل نستنتج أن المريض يسمع و عندما يختفي رد الفعل نعرف أن السمع توقف عند هذا المستوى من شدة الصوت. ردود فعل مراكز السمع هي إشارات كهر مغنطيسية يظهرها الجهاز نفسه.ل مخطط يعطى للمريض. وهكذا يكون التخطيط لا إراديا أي لا يعتمد على أجوبة المريض نفسه .
بهذه الطريقة يمكننا معرفة نوع نقص السمع، هل هو ناتج عن مشكلة في نقل الصوت ؟ أم هو ناتج عن عدم تلقي الصوت في المراكز العصبية السمعية .
كثيرة هي الاختبارات السمعية الأخرى التي تدعم التشخيص و معرفة توضع المرض لدى المصاب .
أما أسباب نقص السمع فهي كثيرة كما نستنتج مما ذكرناه:
في حال نقص السمع الوصلي المنشأ : قد نواجه سدادة صملاخية كما قلنا أو جسما أجنبيا (حشرة) التهاب في مجرى السمع الظاهر، الشوه الخلقي ، رض على غشاء الطبلة مع تمزق ناتج عن صفعة مثلا. التهابات الأذن الوسطى الحادة و المزمنة مع الأمراض التي تصيب نفير اوستاش، الأورام الحميدة أو الخبيثة .
أما الإصابات التي قد تحدث في الأذن الداخلية العصب السمعي و مراكز السمع فهي التي تعطي نقص السمع الذي ندعوه بالحسي العصبي و قد تؤدي لإحداث أضرار على جهاز التوازن الملاصق لجهاز السمع مع حالة نسميها الطنين ، الذي قد يصيب الأذن الداخلية بدون وجود نقص في السمع .
إن من أهم أسباب إصابة الأذن الداخلية: هي الإصابة السمّية فالمواد السامة قد تضرب الخلايا الهدبية مباشرة، وتلحق الضرر الشديد فيها وقد تصيب استقلا بات السوائل التي تتغذى عليها هذه الخلايا، كما قد تهاجم المراكز العصبية السمعية ذاتها و التي قد تختل وظائفها بشدة ، و السيئ في الأمر أن أكثر المواد سمية هي الأدوية الطبية التي استعملت في الماضي و التي قد تستعمل هذه الأيام مثل مادة الكينين الذي كان وما زال يقينا من الملا ريا . وهناك العديد من الصادات الحيوية السامة ، صحيح أن هذه المواد الكيماوية قد تقي من التهاب السحايا القاتل مثلا ، ولكنها تترك حالات من نقص السمع الشديد بعد العلاج. وكمثال أخير على المواد السامة التي تؤثر على الأذن نأخذ(الأسبرين)، دواء الألم السحري والذي قد يكون فتاكا بالأذن، في استعماله بجرعات عالية تتجاوز ال3 غرام يوميا .
لن ننسى في الختام مايسمى بنقص السمع الفجائي الذي قد يصيب الأذن الداخلية لأسباب قد تكون وعائية أو فيروسية أو مناعية أو مجهولة السبب . وشوه الأذن الداخلية . كذلك الرض الصوتي الشديد الذي قد يترك صمما قويا لدى المصاب . كما أذكر نقص السمع الشيخي و أورام العصب السمعي، وأيضا نقص السمع الناتج عن المراكز السمعية وهي إصابات دماغية عصبية لها أسباب متنوعة.
وتستحضر ذالمجلة 78ة قرأتها منذ فترة نشرت في مجلة لوموند الفرنسية عن دراسة أعدت في مدينة باريس ومحيطها بعنوان : سكان باريس و الضواحي المعرضون للضجيج يستهلكون الدواء أكثر .
حيث سخرت المجلة 78 طبيبا عاما، موزعين على مناطق يزداد فيها الضجيج وينقص لتعبئة البيانات الطبية . وفي نهاية عام 2005 بينت الدراسة : العام ويرة في نسبة ارتفاع الضغط الشرياني عند الرجال المعرضين للضجيج ، و زيادة في نسبة دخول المشافي والاستراحات المرضية عند النساء . كما بينت ارتفاعا في نسب حالات الوهن العام و استهلاك أكبر من الأدوية لدى الجنسين .
تبين في الدراسة أن الرجال بين عمر الـ 40 والـ 69 والمقيمين تحت طرق الطيران بعرض ألف متر، يستهلكون خوافض الضغط بنسبة 5.6 أكثر من القاطنين بعيدا عن صوت الطائرات . أما النساء بنفس العمر فقد ازداد استهلاك المهدئات و المركنات بينهن أكثر بـ 10 مرات .
الضجيج يجعلنا نمرض هذا ما استنتجته لوموند الفرنسية . 12 مرة أكبردراجاتهم الناريةلرجال الذين يقضون أكثر من ساعتين على دراجاتهم اسياراتهن.ميا . نسبة الأرق أكبر بمرتين لدى النساء اللواتي يقطعن أكثر من ساعتين في اليوم في سياراتهن . 4 مرات تزداد نسبة دخول المشافي لدى النساء بين عمر الـ 40والـ 69 والقاطنات في الطرق الصاخبة وبنفس النسبة ، في حال التجول في المدينة لمدة ساعة يوميا في النقل العام .
ترى هل نستنتج من دراسة كهذه أن الضجيج قد يكون أكثر خطرا على الصحة العامة من تلوث الهواء، لما قد يسببه من أمراض خطيرة على السمع وعلى الصحة العامة.
الدكتور فادي لـــوقا
أذن أنف حنجرة